في  انعدام  اشعاع البلاد التونسية …الازهر  التونسي

في انعدام اشعاع البلاد التونسية …الازهر التونسي

4 ماي، 21:17

عن اشعاع البلاد التونسية الذي انعدم اليوم كليا أو يكاد في المحافل الدولية أعيد اليوم نشر تدوينة كتبتها في السنة الفارطة حول هذا الاشعاع في العهد الحفصي سأتطرق اليوم لجذور هذا الإشعاع التي تعود للفترة الحفصية فقد تحدثت العديد من المصادر عن نبل أخلاق سكان هذه البلاد فيقول العبدري في رحلته الحجازية التي قام بها في أواخر القرن الثالث عشر ميلادي: ” و بها (أي مدينة تونس) من أهل الرواية و الدراية عدد وافر يجلو الفخار بهم عن محيا سافر” ويوافقه الرأي ابن فضل الله العمري المتوفى سنة1384 إذ يذكر في كتابه مسالك الأبصار في ممالك الأمصار:” و لأهل إفريقية أخلاق و شمائل …و هم من هم خفة روح و حلاوة نادرة و هم على كل حال أهل انطباع و كرم طباع” و يسير على نفس النهج الحسن الوزان في مصنفه وصف إفريقا: “وهم (أي سكان مدينة تونس )ذوو تربية فائقة و كياسة متناهية و إحسان كثير لا تكاد تصدر عنهم إساءة” علما و أن الوزان زار تونس سنة1520 . و يتسم هذا المجتمع بتسامحه الديني و في الباب يشيد أدورن الرحالة القادم من مدينة بريج من الفلاندر و الذي حل بتونس سنة 1470م بالحريات الدينية التي تتمتع بها الأقلية المسيحية المقيمة بتونس كما نجد إشارة في نفس الاتجاه لدى التجاني في رحلته(أوائل القرن الرابع عشر ) إذ يقول عن كنائس النصارى في جهة توزر: “بقاء كنائس النصارى خرابا لم يتصرف فيها المسلمون” و مما يدعم هذا الرأي عدم التصادم بين سكان البلاد التونسية المالكيين في جلهم مع شيوخ الموحدين و العائلة الحفصية الحاكمة و القادمة من المغرب الأقصى و المتبنية لفكر المهدي بن توممرت صاحب مذهب سماه التوحيد و إليه تنسب الدولة الموحدية و التي تعد الدولة الحفصية امتدادا لها هذا علاوة عن غياب التصادم بين المالكيين و الحركات الصوفية التي عرفت انتشارا كبيرا في العهد الحفصي و الأقلية الإباضية المتواجدة في جزيرة جربة. وفي باب العلم و المعرفة يقول العبدري في مدح أهل تونس: “وما من فن من فنون العلم إلا وجدت بتونس به قائما و لا موردا من موارد المعارف إلا رأيت حوله واردا و قائما” و يسير على نهجة الوزان فيقول: “إن الأفارقة الذين يسكنون مدن بلاد البربر و لا سيما مدن ساحل المتوسط يهتمون كثيرا بالتعلم و يتعاطون الدراسة بكامل العناية” و قد وجد طلب العلم تشجيعا من الملوك الحفصيين و كمثال لذلك ما نقله الزركشي في كتابه تاريخ الدولتين: ” فأمر الأمير( أبو زكياء بن أبي اسحاق )أن يبنى مدرسة للعلم فبنى مدرسة المعرض ( 1283م) و حبس عليها ريعا كثيرا اشتراه بماله مع كتب نفيسة و لما كمل بناؤها …وجه للمدرس قرطاسين من ذهب و فضة و قال له فرقها على كل من تجد في المدرسة فسمع الناس بذلك فجاؤوها من كل مدرسة حتى امتلأت و لم يجد أحد أين يجلس” وتكملة لهذا بنى الحفصيون عديد الدارس وهي مؤسسات تقوم بثلاث وظائف التدريس و الإيواء و العبادة و من هذه المدارس نذكر المدرسة الشماعية و التوفيقية و العصفورية نسبة للنحوي ابن عصفور و المغربية و الحكيمية كما قام جامع الزيتونة بدور كبير في نشر المعرف و بهذا الجامع ألحقت العديد من المكتبات كمكتبة أبي فارس عبد العزير و مكتبة أبي عمرو عثمان و المكتبة العبدلية كما يخبرنا ابن فضل الله العمري بما يلي: “…ثم يقوم السلطان إلى موضع مخصوص و يستدعي وزير الفضل أي كاتب السر و يسأله عن الكتب الواردة على البلاد و عما تحتاج إليه خزانة الكتب .”و ترتب عن ذلك ظهور العديد من العلماء يمثل ابن خلدون أهمهم. كما كان للتجارة دور كبير في ترسيخ انفتاح هذا المجتمع إذ يذكر أدورن في رحلته أن للنصارى فنادق خاصة بهم و يتعاطون التجارة ويذكر الحسن الوزان ما يلي:”فيذهبون أي سكان افريقية إلى جميع الأقطار للاتجار فتراهم في كل وقت في مصر و أثيوبيا و الجزيرة العربية و بلاد فارس و الهند و تركيا و حيثما ذهبوا حسن إقتبالهم و إكرامهم لأنهم جميعا خبراء ماهرون في المهن التي يمتهنونها”ان صورة تونس في الخارج لم تهتز بالكيفية التي عليها اليوم إلا في فترات محدودة أرجو أن نتفطن و نضع حدا لهذا التدهور المتواصل و ما ذلك بعزيز لو تظافرت الجهود

مواضيع ذات صلة