وجبة صبيحة عيد الفطر بصفاقس من كارلوش مولاش إلى الشرمولة…محمد الناصر بن عرب

وجبة صبيحة عيد الفطر بصفاقس من كارلوش مولاش إلى الشرمولة…محمد الناصر بن عرب

23 ماي، 12:30

يتناول الصفاقسية بعد صلاة العيد في عيد الفطر الشرمولة و”الحوت المالح”؛ ولم أكن أعرف أن هذه العادة موجودة أيضا في بعض البلدان العربية الشقيقة مثل فلسطين والأردن وسوريا والعراق ومصر.أما في صفاقس، فقد جرت العادة الموروثة أبا عن جد تمليح السمك ابتداء من اليوم العاشر من شهر رمضان لتناوله مع الشرمولة صبيحة يوم العيد.تتكون الشرمولة من البصل والزبيب المرحي والمصفى ويقلى هذا الخليط في زيت الزيتون لمدة أربع ساعات على الأقل حتى يصبح نوعا من المُربّى، وقبل إطفاء النار يُضاف للشرمولة خليطٌ مسحوق من البهارات يحتوي على القرفة وشوش الورد وقشور البرتقال والكبابة وعود القرنفل وقليل من مسحوق صمغ “المصطكي”. وفي ليلة العيد ينقع السمك المملح في الماء ثم يُفَوَّر أو يُطهى في الصباح بعد غسله وإزالة حبوب الملح. وبعد صلاة العيد يتناول أفرادُ العائلة بخبز العيد، وجبة الشرمولة و”الحوت المالح”.ما هو مصدر هذا الفطور صبيحة يوم عيد الفطر بصفاقس ؟ لقد وفدت على مدينة صفاقس في أواخر القرن التاسع عشر مجموعة يونانية من جزيرة كليمنوس المشهورة بصيد الإسفنج  والأخطبوط (القرنيط). ونظرا لكثرة الإسفنج  والأخطبوط الموجود في قاع البحر بين أرخبيل قرقنة وصفاقس وجرجيس، قرّر صيادو البحر اليونانيون الإقامة بمدينة صفاقس ثم شرعوا بالغوص في استثمار الإسفنج  وقاموا بتمليح وتجفيف الأخطبوط والأسماك. أما بشأن الشرمولة، فهنالك أسطورة تنال إعجابي حول أصولها بصفاقس:يُحْكَى أن بحارا يونانيا، يدعى كارلوش مولاش، كان الوحيد الذي نجى من الغرق وجنح مركبه على شواطئ الأناضول بعدما هلك الملاحون وتلفت مئونتهم  أثناء عاصفة قوية، فكاد أن يموت هذا البحار جوعا لو لم يجد في حطام السفينة بعضا من الزبيب والبصل الذي استخدمه لإعداد خليط يشبه المُربى وأكله مع ما تبقى من سمك مملح. وبما أن هذا الخليط أنقذ البحار اليوناني، قام الأناضوليون بإعداده ونال إعجابهم.  وبفضل المراكب التجارية التي تربط الأناضول بميناء مدينة صفاقس في ذلك العهد، تم التعريف بهذه الأكلة لبحاري صفاقس التي نالت إعجابهم أيضا، فقرروا إعدادها كوجبة لصبيحة عيد الفطر وأطلقوا عليها إسم الشرمولة تحريفا لاسم البحار اليوناني المسمى “كارلوش مولاش”.أما في قطاع غزة والأردن والعراق وسوريا ومصر، فيتم كسر الصيام في صبيحة عيد الفطر بتناول أكلة الفسيخ المتكونة من الأسماك المملحة مثل البوري والدنيس (الوراطة) وسمكة المنّاني وأنواع أخرى من الأسماك المملحة المعروفة “بالفسيخ” مع طبق من الطماطم الحار المقلي بعد أكل اللحوم على مدار شهر رمضان. وأغلب الظن أن الفسيخ له أصول مصرية قديمة حيث كان المصريون القدامى يتناولون أيضا في أعيادهم الأسماك المملحة بشتى أنواعها.رأينا أن تناول الأسماك المملحة في صبيحة عيد الفطر يجمع شمل المسلمين في المشرق والمغرب العربي. ويعتبر كسر الصيام بتناول الأسماك المملحة تعويضا للأملاح التي فقدها الجسم خلال صيام شهر رمضان كما أن شُرب الماء بكثرة يعوض كمية الماء التي فقدها الجسم أيضا أثناء الصيام.وكالعادة منذ عدة أجيال يستمر الصفاقسيون تناول الشرمولة و”الحوت المالح” في وجبة صبيحة عيد الفطر حيث تعتبر هذه العادة تراثا لا ماديا قيّما خاصا بمدينة صفاقس من واجبنا الحفاظ عليه لأن التراث جزء من تاريخنا، إن تلاشى سقط جزءٌ من كياننا

مواضيع ذات صلة