التونسي نوعان : متغيّب عن العمل ومُغَيَّب عن العمل… سامي النيفر

التونسي نوعان : متغيّب عن العمل ومُغَيَّب عن العمل… سامي النيفر

1 أكتوبر، 14:30

لطالما تساءلنا لماذا ينفر التونسي من العمل ويضجر منه ؟ الجواب الأوّلي والمنطقي هو أن نتّهمه بالكسل والتخاذل وربّما نقص الشّرف والضّمير المهني وسوء الخلق بل وانعدام الوطنيّة… قد يكون هذا صحيحا… ولكن ليس للكلّ.. فقد يرى البعض ظاهر الصورة ويغفل عن الدّواخل الأليمة جدّا…

ماذا لو كان التّونسي يريد العمل ولكنّه يجابه بمدير ظالم قد يكون عنيفا وقاسيا أو منافقا “رهدانا” يحقر ويحفر ويرصد لكَ الأخطاء دون أن يظلمكَ ويخرجكَ ضعيفا مهزوزا دون أن يظلمكَ بل يجعلكَ عديم الكفاءة ودائما بالعدل… إنه أسوأ أنواع المسؤولين على الإطلاق… وماذا لو كان يعمل بالمحاباة فيقرّب مجموعة دون أخرى ولن يلومه أحد لأنه يتصرّف دون ترك غلطة قانونية ؟… ماذا لو أحسّ الفرد داخل أي مؤسسة أنه عجلة خامسة وأنّ المبجّلين قبله ؟ وماذا لو أحسّ أنّه مقصّر مهما فعل ؟ وماذا لو سمع الموظّف الانتقادات كل ساعة وهي صحيحة ولكنها “كلمة حقّ يراد بها باطل” كما قال سيّد الشّهداء علي بن أبي طالب.. وماذا لو أراد أن يدخل في الأجواء وأراد أن يبادر فتُرْفَضَ كل مبادراته ودائما بالعدل على أساس أنها لا تهمّ الإدارة بينما الحقيقة مخالفة لذلك ولكن حسب القانون تبدو كل تصرّفات المدير ومقرّبيه سليمة… بل ماذا لو أراد أن يكون صديقهم فنبذوه وبرفق وبتربية أبعدوه وبلطف صدّوه ؟ حينئذ لا يملك إلا العزلة وحين ذلك سيحاسبه القانون ودائما بالعدل لأنه لا يعمل مع المجموعة… وماذا لو أراد أن يخالف القرارات النقابية ؟ بل ماذا لو نقد نقابيّا رغم أنه فرد وليس إلاها ؟… وماذا لو كان الموظّف حازما وجدّيّا وأراد أن يعاقب من هم تحت مسؤوليّته ؟ سيكون صارما ومتكبّرا وغير إنساني… وماذا لو كان ليّنا وطيّبا ومتواضعا وإنسانيّا مع تابعيه ويعمل أكثر من الآخرين ويضيف ساعات مجّانيّة ؟ سيكون لقمة سائغة وسيوصف بالتّسيّب وبأنّه جدّيّ وعابس… بينما لو قصّر قليلا سيحاسبونه شرّ حساب ودائما بالعدل… وماذا لو كان كل الزملاء داخل المؤسسة يعيشون نفس الصّعوبات والعوائق ولكن المدير يجعلكَ أنتَ وحدكَ المقصّر والبقيّة أمورهم جيدّة ؟ وماذا لو حاول أن يشوّه سمعتكَ وجعلكَ تتخاصم مع الجميع حتى تبقى وحدكَ ؟

أفي هذه الأجواء المسمومة والمشحونة يمكن أن يعمل أيّ موظّف ؟ إنه في حرب عالمية خاصة حين يكون وحده و”الكثرة تغلب الشّجاعة” في مَثَلٍ لا يعرفه إلا من جرّبه… ماذا لو لم يعرف كيف يتصرّف و”تبهذل” وذابت شخصيّته وأصبح كراكوزا وطرطورا كأستاذ في مدرسة المشاغبين… ألن يكره عمله حينئذ ؟ هل يستطيع أن يقدّم ويفيد ؟ شيء آخر النّاس مواهب وعلى كل مسؤول ذكي أن يعرف ويستغلّ قدرات موظّفيه ولكنّ بعضهم لا يعرف وبعضهم لا يريد… وماذا لو لم يجد الموظّف التجهيزات اللازمة ؟ وماذا لو طالبوه بالهدوء حين يتكلّم وبالكلام حين يصمت في واقعة حقيقيّة ! ماذا لو فعل مثل زملائه وقدّم نفس المبادرات فتُقبل من أحدهم ولم تُقبل من الآخر والله لا يتقبّل إلا من المتّقين ولكنّ المسؤول لا يتقبّل إلا من المتملّقين أو على الأقل المحظوظين… بل بالعكس قد تنقلب مبادراتُه وبالا عليه فيجني منها مزيدا من المؤامرات بفعل الحسد… وماذا لو عزلوه وباللوم والتقريع والكلام الماسط وسوء المعاملة جابهوه ودائما دون أن يظلموه ؟ ماذا لو المسؤولُ تجاهله وببرودة عامله وعندما يتحدّث معه يقول له : “لم أفهم شيئا” ؟… وأخيرا، لكل إنسان فينا جوانب إيجابية وجوانب سلبية ولكن لماذا المسؤول في تونس يترك 80 % الإيجابي ويحاول أن يظهر 20 % السّلبي ؟ يعرف أنّك يمكن أن تعمل بجدّ ولكنّك لا تتقن الفدلكة والخرجات فيركّز على هذا التّقصير غير المهني في الأصل، ويعرف أنّك سريع الغضب وحسّاس وقلبكَ لا يتحمّل فيظهركَ في مظهر الضّعيف المتراخي أو العنيف الغاضب والمتكبّر وهو لا يظلمكَ ولكنّه لا يرى إلا من زاويته… حينئذ تتمنّى أن تخدم بلادكَ وتتمنّى أن تسعد مرؤوسيكَ وأن تحسن إليهم وزيادة وأن تعطيهم وتنفعهم ولكنّكَ في ساحة حرب عنوانها “قاتلك قاتلك” أو كما يقول المثل الفرنسي “La raison du plus fort est toujours la meilleure” والقوّة هنا تُقاس بالكثرة لا بالشّجاعة كما أسلفنا الذّكر…

أمام كل هذه المعطيات الأليمة وأكثر، تحاول أن تصون قدركَ وتنسحب وقلبكَ محترق لأنّك تحبّ العمل وهم يتّهمونكَ بالكسل وغياب الأمانة والضّمير والأخلاق الحسنة والشّرف والوطنية بل وينسون كل خير فعلتَه سابقا فحتى لو لم يخفوه وقتها فهم مع الزمن يتناسونه وصدق الرّسول محمّد حين أخبر عن علامات آخر الزّمن : “يُصَدَّقُ الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ الصَّادِقُ وَيُؤَمَّنُ الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ الْأًمِينُ”.. والغريب أنّ نفس الموظّف يكون محبوبا وناجحا مع شخصيّات عامّة وكبرى ولكنّه يصبح مذموما مدحورا في محيط عمله وقد يصبح نكرة وفاشلا وتضطرب شخصيّته فلا ينتج ولا يعرف ماذا يفعل وتتزعزع ثقته.. كل ذلك بالعدل والمسؤول الخبيث لم يظلمه وكان لطيفا معه حسب القانون.

مواضيع ذات صلة