الشباب التونسي بين الأحلام الضائعة والحياة المائعة

الشباب التونسي بين الأحلام الضائعة والحياة المائعة

14 جانفي، 18:30

الشباب هو أهم وأحلى فترة في حياة الإنسان وفيها يكون فرحا ولا يفكر في شيء يزعجه أو هكذا قالوا لنا على الأقل.. أمّا على الواقع وفي بلدي المليء بالظالمين والفاسدين فالشباب قساوة الحياة وأشدّ المعاناة إذ يظل اليافع يدرس بنظام أمد التعيس ويعاني من احتقار بعض الأساتذة الجامعيين وتمرّ السنوات ليحصّل أعلى الشهائد ثم تنطلق رحلة البحث عن عمل فلا يجد إلا الكلام الماسط أو الوعود الزائفة وحتى عندما يجد شغلا سينظرون إليه ك”فرخ” أو كمبتدئ عليه ألا يزاحم الكبار كما يستحيل على أي شاب عندنا أن يكون وزيرا أو واليا أو يتقلّد منصبا قياديا على غرار وزير خارجية إيطاليا أو رئيس وزراء كندا وعديد الأمثلة الأخرى في الدول “الكافرة” التي يفعل شبابنا المستحيل كي يصلوا إليها لدرجة إلقاء أنفسهم في عرض البحر وتعريض حياتهم للخطر أملا في بلد فيه العدل والإحسان اللّذين أوصى بهما ربّ الإسلام ولكن هيهات هيهات فالشاب لا يجد إلا الاحتقار واللامبالاة ولا يجد مثلا أعلى وقلبا حنينا بل يجد الكلمة الجارحة وتثبيط العزائم ووضع العصا في العجلة وتيئيسه من رحمة الله سواء كان ذلك من بعض أقاربه أو جيرانه أو معارفه أو حتى من إمام ينصحه بإطالة اللحية وبغسل الرجل اليمنى قبل اليسرى حتى لا يبطل وضوؤه والسفر إلى جهاد “الكفّار” وتفجير نفسه في الشوارع بينما يتمتّع تجّار الدين الخسيسون مع عائلاتهم بملذّات الدّنيا الفانية… كل ذلك مع إعلام جامد متحجّر من ناحية أو ضائع مائع من ناحية أخرى.. وفي خضمّ هذه الأوضاع أصبح شبابنا مدمنا على المقاهي والسجائر والمسكرات والمخدّرات وقرناء السوء ولعب الرهان وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ونوادي اللهو ومتابعة الرياضة بكثرة وركوب الدراجات النارية مع القيام بحركات بهلوانية وغير ذلك من الانحرافات التي تستنزف الجهد وتشتّت الفكر وتضيّع العقل والثّقل… وعوض أن تكون طاقة الشباب موجّهة للبناء والنماء ونفع البلاد والعباد مع أخذ الثقة بالنفس وتكوينها وصقلها ومعرفة الحياة والتفاؤل بها والنشاط والحيوية اللذين يأتيان من كلمة تشجيع واحدة ومن نافذة أمل واحدة قد تسدّ أمام شابّ يطمح ويأمل ويُقدم ويعزم ولكنه يتألّم ويصطدم بحواجز مادية ومعنوية أقلها السخرية والكلام المثبّط للعزائم.. عندما يرى الشاب أنهم يصفّقون فقط للمنحرف وعندما يقولون له إن أحلامك الوردية وأفكارك المثالية ورؤاك الإصلاحية هي شعارات الضعفاء المغفّلين لن يكون إلا ضائعا مائعا فلا تلوموه بعد ذلك لأن الكل مساهم في هذا الوضع.. هذا الاحتقار للشباب يجعلنا ننسى دائما أن 14 جانفي هو عيد الشباب أيضا ولكن وقع احتقارهم وتحريف حتى مفهوم مرحلتهم العمرية إذ يفتخرون برئيس حكومة شاب عمره 45 سنة وهم يستبلهون من يعرف أن في أمهات المناجد نجد أن مرحلة الشباب تنتهي في الثلاثين ليصبح الفرد بعدها كهلا ومسؤولا ولكن علينا أن نشعره أنه مازال صغيرا حتى لا نحسّسه أن قطار العمر يمضي وأنه يقتل وقته وأحلامه الضائعة في بلد عاش أحد أعظم أدبائه أبو القاسم الشابي 25 سنة تاركا إرثا فكريا عظيما وكذلك كان بورقيبة وشبّان الحركة الوطنية في مقتبل العمر عندما كانوا ينشطون بحماس ولكنّنا نفضّل شبابا مخدّرا مستكينا عاجزا متواكلا تائها منحرفا على أن يكون حالما ناشطا وفي النهاية على اليافعين ألّا يستسلموا وأن يكافحوا حتى لا يضّيعوا هذه المرحلة المهمّة من عمرهم.

سامي النيفر

مواضيع ذات صلة