ليبيا.. ماذا بعد هذا الانسداد؟….سليم مصطفى بودبوس

ليبيا.. ماذا بعد هذا الانسداد؟….سليم مصطفى بودبوس

27 ماي، 18:30

منذ أسبوعين تقريبا عاد التوتر الأمني في ليبيا إلى الواجهة بسبب الانسداد السياسي بين القوى المتصارعة على السلطة في البلاد ممّا أدّى إلى مواجهة عسكرية؛ حيث دارت اشتباكات عنيفة تزامنًا مع دخول رئيس الحكومة المكلف من قبل برلمان طبرق فتحي باشاغا برفقة عدد من الوزراء إلى  طرابلس تمهيدًا لمباشرة أعمال حكومته من العاصمة الليبية، قبل أن يغادرها ساعات قليلة بعد دخول المدينة، بالرغم من تأكيده أن لا نيّة لديه لاستلام السلطة بالقوّة.

من جهة أخرى رفضت حكومة الوحدة الوطنية التي تشكّلت مطلع عام 2020، بناء على عملية سياسية رعتها الأمم المتحدة تسليم مقاليد الحكومة لغير حكومة منتخبة. ويجد عبد الحميد الدبيبة رئيس هذه الحكومة دعما من وزارة الدفاع الليبية والعديد من الفصائل المسلحة المنتشرة في طرابلس. علما وأنّه توجد في العاصمة الليبية العديد من القوات المسلحة منها من تعمل تحت إدارة حكومة الوحدة الوطنية أو بالتعاون معها مثل قوة دعم الدستور والانتخابات، وأخرى تابعة لحكومة باشاغا مثل كتيبة “القوة الثامنة” المعروفة باسم “كتيبة النواصي” والتي رحّبت بقدوم رئيس الحكومة الجديد إلى العاصمة. لكن رغم ذلك دعت كتائب أمنية وعسكرية عديدة من خلال بيانات أصدرتها إلى عدم عسكرة الصراع بين الحكومتين وإبقائه ضمن الإطار السياسي.

وفي جميع الحالات تعتبر هذه الاشتباكات التي دارت في العاصمة خطأ يتحمّله كل من باشاغا والدبيبة بسبب الصراع على السلطة منذ مارس الماضي؛ فقد منح مجلس النواب الليبي ثقته لحكومة جديدة برئاسة باشآغا معتبرا أنّ حكومة الوحدة الوطنية فشلت في تنفيذ هدفين رئيسين: إجراء الانتخابات وتوحيد المؤسسات الليبية. بالمقابل رفض المجلس الأعلى للدولة وحكومة الدبيبة قرار برلمان طبرق تشكيل حكومة جديدة، واشترطا إجراء الانتخابات لخروج الحكومة الحالية من السلطة.

وبعد حادثة دخول باشآغا وخروجه من طرابلس، تبادلت الحكومتان الاتهامات والانتقادات من خلال التصريحات؛ حيث استنكرت حكومة الوحدة الوطنية “قيام مجموعة مسلحة خارجة عن القانون بمحاولة التسلل في جنح الظلام للعاصمة طرابلس في محاولة يائسة لإثارة الرعب والفوضى بين سكانها” . أمّا باشاغا فقد قال في تغريدات على تويتر أن “سلوكيات الحكومة المنتهية الولاية هستيرية”.  واعتبر أنّ الدبيبة “يستعمل السلاح والمال العام لتعزيز سلطته”.

وقد حثّت العديد من الأطراف في ليبيا وخارجها على إبقاء الصراع بين الحكومتين ضمن الإطار السياسي وعدم الدخول في أي صراع مسلح؛ إذْ دعت المبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز إلى الحفاظ على الهدوء وحماية المدنيين وإلى ضبط النفس والامتناع عن الأعمال الاستفزازية والخطاب التحريضي. وحثت الولايات المتحدة  ودول الجوار الليبي الجماعات المسلحة على الامتناع عن استخدام العنف؛ فلا يمكن حل النزاع بالعنف ولكن عبر الحوار والتفاوض.

في هذه الأثناء، تتّجه الأنظار إلى العاصمة المصرية القاهرة حيث تنعقد جولات من الحوار بين ممثلي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بهدف الوصول لصيغة تفاهم دستورية تمهد لخروج البلاد من هذه الأزمة. ويأتي هذا السعي الحثيث إلى التفاوض رغم الانقسامات والخلافات من أجل تجنّب أسوإ السيناريوهات والعودة إلى مربّع العنف.  وهذه المفاوضات مهمّة جدا لأنّ عدم وجود قواعد دستورية تؤدي إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في توقيت واقعي سيحرم الليبيين من الاستقرار والازدهار الذي يستحقونه.

ولئن غرقت ليبيا في فوضى سياسية وأمنية منذ سقوط نظام الرّاحل معمر القذافي في أعقاب انتفاضة شعبية دعمها حلف شمال الأطلسي عام 2011، فإنّها اليوم تعيش انقساما بين حكومتين موازيتين في الشرق والغرب في ظل انعدام للأمن؛ حيث تفاقمت الخلافات بين الفرقاء السياسيين منذ نهاية العام 2021 حين فشلت حكومة الوحدة الوطنية والقوى السياسية الأخرى في الاتفاق على القانون الانتخابي، ممّا أدّى إلى تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى.

وشكّل الإخفاق في إجراء الانتخابات انتكاسة كبيرة للجهود الدولية لإنهاء عقد من الفوضى في ليبيا، ليبدأ فصل جديد في المأزق السياسي وما يمكن أن ينجرّ عنه من صراع مسلّح في كل لحظة. كما دخلت البلاد في دوامة أخرى بعدما أصبح إنتاج النفط، المصدر الرئيسي للعائدات في البلاد، رهينة للانقسامات السياسية عبر سلسلة عمليات إغلاق قسري لمواقع نفطية ليبية.

           لقد مثّل دخول باشاغا إلى طرابلس مناورة سياسية أراد أن يُحرج من خلالها حكومة الدبيبة، لكنّ ذلك لا يكفي لاستلام السلطة ومباشرة مهام وزرائه من مقرات الحكم بالعاصمة طرابلس، ليبقى الأمل قائما هناك في القاهرة حيث المفاوضات حثيثة للوصول إلى اتفاقات دستورية نهائية تعيد الأمل إلى البلاد وتنشر الأمن في العباد تمهيدا لانتخابات رئاسية وبرلمانية في أقرب وقت ممكن.

مواضيع ذات صلة