مجرد رأي بين النقابي و السياسي ، خيط رفيع ( الجزء الخامس )…المنجي عطيّة  الله

مجرد رأي بين النقابي و السياسي ، خيط رفيع ( الجزء الخامس )…المنجي عطيّة الله

21 جانفي، 21:00

الخميس الأسود و تبعاته على المدى القصير في رحيل حاكم السبعينات .وصلنا في ختام الجزء الرابع من قراءتنا لمسيرة الإتحاد العام التونسي النضالية و علاقته الجدلية بالفعل السياسي ، إلى الأحداث الدموية التي طبعت تاريخ تونس المعاصر بالحبر الأحمر .بعد أن تواترت الإحتجاجات الغاضبة في الكثير من المناطق و كانت مصحوبة ببعض المناوشات بين المتظاهرين و البوليس و تمنع رجل الدولة الأول أنذاك ، الهادي نويرة ، عن الإستجابة للمطالب الشعبية ، أقرت الهيئة الإدارية للإتحاد ، الإضراب العام في كامل أرجاء الوطن يوم الخميس 28 جانفي 1978 ، في محاولة للضغط على السلطة الحاكمة بل تركيعها وهو توصيف المتشددين من قادة المنظمة .

إضراب عام فرضته أوضاع البلاد الإقتصادية و الإجتماعية المزرية التي تضرر منها عامة أفراد الشعب من الفئات الفقيرة و المتوسطة التي تمثل السواد الأعظم ، سريعا ما تحول إلى ٱنتفاضة شعبية رافضة لسياسة السلطة و خياراتها الإقتصادية الرأسمالية ، بقيادة الهادي نويرة الذي كان الحاكم بأمره في فرض هذا المنوال ، تماما كما فعل على النقيض منه أحمد بن صالح عندما أقنع بل ألزم بورڨيبة على تبني تجربة التعاضد .

شدة الإضطرابات التي عمت أرجاء البلاد تحولت إلى مواجهة بين البوليس الذي تجاوزته الأحداث فٱنتقل من ٱستعمال القنابل المسيلة للدموع و الذخيرة المطاطية إلى الرصاص الحي ، بينما سلاح المحتجين ما ملكت أياديهم من المواد الصلبة في محاولة منهم لدرء الخطر ، و ككل تظاهر و ٱحتجاج يتسرب اللصوص و ألمارقون عن القانون بكل أصنافهم لٱستغلال الأجواء المضطربة و الإعتداء على الأملاك العامة و الخاصة و القيام بما تيسر لهم من سرقات و نطر و نشل و غيرها من الجرائم التي ترجعها السلطة و تحمل مسؤوليتها للإتحاد بوصفه الجهة المنظمة في تقديرها ، و هكذا تحولت الإنتفاضة من الإحتجاج و المطالبة بالحقوق إلى معارضة ذات منحى سياسي تهدف إلى إسقاط المنظومة السياسية – الإقتصادية و مخططها الهادي نويرة الذي كان في مرمى نظام العقيد معمر الڨذافي الذي لم يغفر له إفساد حلمه في التوسع الجغرافي بعد ٱتفاقية أمضاها مع الرئيس بورڨيبة يوم 12 جانفي 1974 في غرفة بأحد نزل جزيرة جربة ، يذكر التاريخ أن مسودتها حررت على جذاذة تابعة لإدارة النزل، على توحيد البلدين تحت مسمى ” الجمهورية العربية الإسلامية ” و أمضاها الطرفان رأسا لرأس .

” الجمهورية العربية الإسلامية ” هي نتاج ٱتفاقية عبثية حصلت في غياب عديد المسؤولين الفاعلين في النظام التونسي و في غفلة من الإعلام الرسمي ، كان عنوانا مفاجئا تصدر الصحف التونسية و الليبية في اليوم الموالي وهو للحقيقة مشروع هندس له وزير الخارجية أنذاك محمد المصمودي الذي كان قريبا من القذافي و بٱقتراح من هذا الأخير ، حصل بتسرع و سرية كاملة لٱستغلال غياب الهادي نويرة صاحب القول الفصل الذي كان في زيارة إلى طهران و الماجدة وسيلة بن عمار حرم الرئيس التي كانت في جولة بين لبنان و الكويت .

بعد فشل المخطط الذي ظن العقيد الڨذافي أنه تحقق ، عاد نويرة و الماجدة وسيلة بسرعة من الخارج و أبطلاه وهو ما أثار ٱمتعاضه و غضبه الذي تحول إلى حقد دفين تجاه الوزير الأول التونسي الذي أفسد طموحه الكبير في تأسيس ٱمبراطوريته الإفريقية ٱنطلاقا من تونس . و في محاولة ٱنتقامية من تونس و ساستها ، قام العقيد بعديد المحاولات للتشفي من بورڨيبة ، منها طرد العمال التونسيين من ليبيا و التنكيل بهم من خلال حرمانهم من مستحقاتهم المالية و أمتعتهم مع قطع العلاقات الدبلوماسية و لم يكفه ذلك بل قام بمحاولات جدية لٱغتيال الهادئ نويرة و لما لم يفلح تولى تجنيد عدد من التونسيين المعارضين ذوي التوجه القومي و تم تسريبهم إلى ڨفصة عبر تبسة الجزائرية في شكل كومندوس مسلح ، هاجم ثكنة عسكرية و مراكز أمن و حرس و وجه دعوة للأهالي للإنضمام إلى التمرد ، كان ذلك في الليلة الفاصلة بين 26 و 27 جانفي 1980 لكنها ٱصطدمت برد قوي من جنودنا البواسل الذين هبوا من كل الجهات في عملية دعم و إسناد أفشلت سيناريو الغزاة من أبناء الوطن المرتزقة و قادتهم.

عملية إجرامية من جار مهوس بالسلطة التوسعية الساقطة سعى إليها بكل الأساليب القذرة ، كان لها ٱنعكاسات سلبية على صحة الوزير الأول الهادئ نويرة الذي أصيب بجلطة أقعدته عن الحركة غادر على إثرها منصبه يوم 23 أفريل 1980 .في الحلقة السادسة سنعود إلى المحاكمات التي لحقت قيادات الإتحاد بعد أحداث 26 جانفي 1978 و رفض محكمة سوسة النظر فيها – و الأمر هنا يتعلق بأحداث سوسة – لعدم الإختصاص بعد أن أعطت القصيرة منحى سياسي و هو ما ذهبت إليه بقية المحاكم ليقع تحويل كل الملفات إلى محكمة أمن الدولة .إنتظرونا ،،،

مواضيع ذات صلة