مجرد رأي : بين النقابي والسياسي، خيط رفيع (الجزءالسابع)… المنجي  عطية الله

مجرد رأي : بين النقابي والسياسي، خيط رفيع (الجزءالسابع)… المنجي عطية الله

23 جانفي، 21:00


بين النقابي و السياسي ، خيط رفيع (الجزءالسابع)
أحداث الخبز 1984 ، الإتحاد يركب الحصان وهو يجري !
نصل في هذا الجزء إلى أحداث الخبز عام 1984 في عهد محمد مزالي الذي خلف الهادي نويرة على رأس الوزارة الأولى بعد أن توسم فيه بورڨيبة خيرا بٱعتباره يتقاسم معه نفس الموطن ، مدينة المنستير إلى جانب كونه
يحظى بثقته بناء على نجاحه في كل المهام ألتي كلفه بها و أبرزها وزارات الدفاع و الصحة و التربية “القومية” في ثلاث مناسبات آخرها تم تكليفه خلالها بالتنسيق بين أعضاء الحكومة و الرئاسة بالتوازي مع ٱظطلاعه بمهامه الوزارية قبل تعينه رسميا في منصب الوزير الأول يوم 23 أفريل1980 ليخلف بذلك الهادي نويرة الذي أصبح مقعدا بسبب إصابته بجلطة نتيجة معاناته من ضغوطات عصبية بعد أحداث 28 جانفي عام 1978 ثم محاولة ٱغتياله الفاشلة التي خطط لها نظام الڨذافي عقبتها عملية ڨفصة الإنتقامية المسلحة التي كانت تهدف إلى ٱحتلال المنطقة و السيطرة عليها ثم الشروع في ضم المدن المجاورة ظنا منه أن تلقى تجاوبا من الأهالي ليتمردوا على السلطة لإجبار بورڨيبة
على القبول بالعودة إلى ٱتفاقية جربة الموحدة للبلدين التي أجهضها خصمه الهادي نويرة وهو الهاجس الذي أقض مضجعه منذ 12 جانفي 1974 .
محمد مزالي تقلد منصبه القيادي كوزير أول في ظرف ٱقتصادي صعب تضررت منه المالية العمومية بعد أن تعطلت عجلة الإنتاج و تقلصت نسبة النمو إلى أدناها و ٱختلت كل الموازنات و تراجعت قيمة الدينار بالمقارنة مع الدولار بشكل ملفت و أصبح رصيدنا من العملة الأجنبية في خزائن البنك المركزي لايفي بأبسط حتياجات البلاد فكان الحل في التوجه إلى صندوق النقد الدولي للإقتراض ، لكن بأي ثمن ؟!
للتمتع بهذا “الإمتياز” من الصندوق،كان لابد من الإنصياع لشروطه و أساسها رفع الدعم على المواد الأساسيةوٱنتهاج سياسة التقشف . في خضم هذه المعاناة التي أضحت تهدد بالإنفجار ،
كان محمد المزالي يعول كثيرا و إلى حد الغرور على أسلوبه في الخطابة و الإتصال الذي يمنحه القدرة على الإقناع و لكن هذه المرة فشل في مسعاه عندما أعلن عن قرار الحكومة الشروع في رفع الدعم عن العجين و مشتقاته بداية من جانفي 1984 ، على غرار الزيادة في ثمن الخبزة بنسبة تفوق الضعف ( من 80 إلى 170 مي ) ، فكانت الشرارة الأولى لٱنتفاضة الخبز يوم 29 ديسمبر 1983 في مدينة دوز من ولاية ڨبلي بمناسبة السوق الأسبوعية التي تعرف حضورا شعبيا كبيرا من مختلف القرى و المعتمديات المجاورة فتحول الأمر من بيع و شراء إلى ٱحتجاج و تظاهر مما أدى إلى تدخل قوات الأمن لتفريق التجمعات بالقنابل المسيلة للدموع ثم بالقوة فٱنتقل الغصب إلى ڨبلي ثم سوق الأحد فمدينة الحامة و ڨابس و بدأت المظاهرات تنتشر كالنار في الهشيم و مع غرة جانفي 1984 تاريخ ٱنطلاق العمل بالأسعار الجديدة عمت الإضطرابات كامل أرجاء البلاد وتحولت إلى “مقاومة” لسياسة مزالي التي خيبت آمال الفئات الشعبية الضعيفة التي أصيبت في قوتها اليومي . “إنتفاضة” تجاوزت قدرات قوات النظام العام لتستنجد السلطة بالجيش الوطني .
في اليوم الثاني من بداية تطبيق الزيادة في الخبز و بقية المواد الغذائية الأساسية أعلنت الداخلية عن سقوط بعض القتلى في عدد من مناطق الجنوب و الوسط وهو ما ألهب الشارع بكل مكوناته .
توسعت الإنتفاضة لتشمل طلبة و تلاميذ الجامعات و المدارس الثانوية الذين خرجوا في كل الجهات خاصة العاصمة و صفاقس للتعبير عن غضبهم و رفضهم إلغاء الدعم عن العجين و مشتقاته .
في اليوم الثالث من جانفي 1984 ٱحتدت المواجهة بين المتظاهرين و قوات الأمن و حادت عن مسارها إلى تهشيم و خلع و سرقةالمحلات التجارية و حرق السيارات و الحافلات و غلق الطرقات بإشعال العجلات المطاطية في كل المدن تقريبا ، فما كان من القادة الأمنيين بالتنسيق مع وزير الداخلية أنذاك إدريس ڨيڨة إلا أن أعطوا الأوامر بٱستعمال الذخيرة الحية ضد كل من يتجرأ على الإعتداء بأي شكل من الأشكال على الأملاك الخاصة و العامة مع ٱعتماد التدرج في التعامل معها .
يوم 6 جانفي 1984 خرج “المجاهد الأكبر ” كعادته في ثوب البطل و أعلن في كلمة مقتضبة نقلتها التلفزة الوطنيةعن إلغاء الزيادات و بلغة شعبية قال: ” نرجعو كيف ما كنا قبل الزيادات ” و للتبرئ من المسؤولية أرجعها إلى رئيس بلدية الحاضرة وقتها زكرياء بن مصطفى بدعوى مغالطته عندما أفاده بأن أطنان من الخبز تلقى في براميل القمامة .
إطلالة بورڨيبة أعادت الوضع العام في البلاد إلى طبيعته لكن مع أضرار لحقت بالممتلكات و مست أيضا من هيبة الدولة التي ٱنكسرت بحكم تعنت و إصرار محمد مزالي على تنفيذ قراراته بقوة البوليس . محمد مزالي أصيب بعد تدخل بورڨيبة في مكمن فضعفت شخصيته و أهينت أنفته بوصفه صاحب المبادرة و منفذها بموافقة الرئيس الذي بدأت هو الآخر سلطته تترنح و تتهاوى إلى درجة الدفع بالمحيطين به إلى التفكير في سيناريوهات لخلافته بعد أن بلغ من الشيخوخة عتيا و كانت الخطوة الأولى إزاحة محمد المزالي الذي يعتبرونه قد فشل في مهمته وهو الطامع في كرسي قرطاج ، و يقال أن الماجدة وسيلة تواطأت مع إدريس ڨيڨة و الحبيب عاشور لإفشال مسعاه في الإستجابة لصندوق النقد الدولي و تجاوز غضب الشارع . أنذاك كان الصراع على ٱختيار المرشحين للرئاسة في الكواليس ، يتوزع بين زمرة وسيلة و جماعة سعيدة ……… تتساؤلون بالتأكيد عن دور الإتحاد في كل هذه الأحداث ؟
الفصل الثامن من هذه المتابعة لأبرز الأحداث التي طبعت تاريخ تونس المعاصر ، نتعرف على دور الإتحاد في ٱنتفاضة الخبز .
إنتظرونا ،،،

مواضيع ذات صلة