رواية “بين عهدين” للكاتب محمد بن غربية هي خُلاصة ما عاشته البلاد ماضيا وحاضرا.

رواية “بين عهدين” للكاتب محمد بن غربية هي خُلاصة ما عاشته البلاد ماضيا وحاضرا.

15 ماي، 14:32

تنتمي هذه الرواية  التي صدرت حديثا عن “دار الأمينة للنشر والتوزيع بالقيروان” في 219 صفحة إلى المدرسة الواقعية وتعالج من خلال أبطالها مواضيع شتّى مستمدّة من الواقع التونسي الحديث ومحاولة تحليله من الجوانب السياسية والاجتماعية والنفسانية. كما تعتمد الوصف للحياة في العاصمة التونسية وخاصة أحيائها القديمة العابقة بنفحات تراثها العريق والزاخرة بثراء تاريخها وأحداثه المختلفة الراسخة في ذكريات سعيد بطل الرواية والتي تعكس جانبا و إشارات للسيرة الذاتية للكاتب.

ولعل القارئ التونسي وكذلك العربي سيجد عند مطالعته لهذه الرواية ما عاشته بلاده ماضيا وحاضرا وبالخصوص خلال العشرية الأخيرة من أحداث هامة وتحدّيات وصعوبات على جميع المستويات. وقد تجسّد كل ذلك من خلال معاناة سعيد في حياته الشخصية من مرض وانفصام عن واقعه خاصة أنه وجد نفسه  يعيش في خضمّ ثورة لم يعش أحداثها ولكنه عانى من تداعياتها التي ساهمت في تأزيم وضعه.

ولئن طغى الطابع  الواقعي على أحدا ث الرواية، فإنّها لا تخلو من خيال ورموز وعواطف جيّاشة وصراع نفسي حاد ومشاعر متضاربة من يأس وأمل وحيرة وضياع واستسلام وانهزام أمام الواقع المرير، ثم صمود ومقاومة لقوى الظلام  والأمل في مستقبل أفضل. وكان دور علي الصديق الافتراضي ابن الجنوب كبيرا في مساعدة سعيد على تجاوز محنته بما بثّه فيه من روح ايجابية وتفاؤل وايمان بالمستقبل.

لقد أظهر الكاتب في عدّة فصول ومشاهد في الرواية حنكته في فن القصة وأذكر بالخصوص في المشهد الأخير عند استشهاد سعيد بين أحضان صديقه علي ووسط أهالي بنقردان  في معركة كانت ملحمة تاريخية بين  فلول الارهاب وأعداء الوطن  وأبناء الشعب و قواته المسلحة المدافعين عن وطنهم وعقيدتهم السمحة وثوابتهم النبيلة.

لقد تمكن صاحب الرواية من الجمع بين استرجاع الماضي إن على المستوى الشخصي أو الوطني عبر تقنية “الفلاش باك” والعودة بسلاسة إلى أحداث الحاضر مستعملا عنصري التشويق والمفاجأة، متوخّيا أسلوبا قصصيّا اتسم بالوضوح لشدّ القارئ لأحداث الرواية وإدماجه عاطفيا مع أبطالها.

ولعل من بين اهم المواضيع التي أثارها الكاتب هي قضية الإرهاب هذه الآفة التي ابتلي بها الشعب التونسى وما خلّفته من آلام ودمار نفسي لدى عائلات الضحايا وفقدان العديد من الشبان الذين انخرطوا في شبكات الإرهاب وهلكوا من أجل ذلك وفقدتهم تونس لأنهم يمثّلون في الحقيقة مستفبل البلاد ودرعها الحصين. الى جانب ذلك عرّج الكاتب على قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية أرّقت التونسيين وأرهقتهم في معاشهم، علاوة على قضايا الفساد  والتهريب التي تنخر خلايا البلاد.

“بين عهدين” هي الإبداع الأوّل الذي ينشر للكاتب محمد بن غربية. ولا شك أنه سيثري الساحة الأدبيّة في تونس والعالم العربي ويساهم في نشر الثقافة ومزيد إقبال التونسي على القراءة والتصالح مع الكتاب التونسي. هي تجربة أولى أرجو أن تكون موفقة. وأعتقد أن في جراب الكاتب إبداعات أخرى، ارجو أن ترى النور قريبا…

                  الدكتور صالح الطرودي

مواضيع ذات صلة