مجرد رأي : بين النقابي والسياسي، خيط رفيع (الجزء 20 والأخير)… المنجي عطيّة الله

مجرد رأي : بين النقابي والسياسي، خيط رفيع (الجزء 20 والأخير)… المنجي عطيّة الله

22 مارس، 16:00

من العمل النقابي إلى سدة السلطة : عنوان فرعي ٱخترناه منذ الجزء الماضي نختم به هذه السلسلة من متابعاتنا لعلاقة الاتحاد العام التونسي للشغل بالسياسة تحت يافطة العمل النقابي وتحدثنا عن تعبير بعض قادته في أكثر من مناسبة بالتلميح أو بالتصريح عن نيتهم و أحيانا ٱستعدادهم للمشاركة في الانتخابات….. في الحقيقة، المواكب لمسيرة الاتحاد خاصة بعد الثورة، يستنتج من محاولات الضغط على السلطة الحاكمة وٱستغلال الفرص كلما بدا لهم ضعف الدولة في مواجهة الصعوبات الاقتصادية وتزامنه مع تململ الطبقات الشعبية الضعيفة، أنه يبحث عن الظهور في موقف القوي الذي يتحكم في خيوط الشارع. أذكّر دائما بهذه المعطيات والقراءات لأضع الملتحق بنا في هذه المتابعة في سياق الأحداث.
قلنا في الجزء الماضي (19) إن عديد المنظمات العمالية في العالم نجح قادتها في ٱعتلاء سدة السلطة وأخذنا مثالا لذلك البولندي “ليش فاليسا” الذي حكم البلاد من 1990 إلى 1995 بعد “نضالات في صلب نقابة تضامن”.
في هذا الجزء الأخير (20) نقدم لكم مثالا حيا ومميزا وهو الرئيس الحالي لجمهورية البرازيل “لولا داسيلفا” الذي يحكم أكبر دولة في أمريكا الجنوبية منذ جانفي الماضي للمرة الثالثة، حيث سبق له رئاسة البلاد في دورتين متتاليتين من 2002 – 2010. التاريخ يذكر أن “لولا داسيلفا” هو أول رئيس يساري يحكم دولة البرازيل منذ إنشائها عام تسع وثمانين وثماني مئة وألف. في الانتخابات الرئاسية الأخيرة فاز بفارق ضئيل على منافسه اليميني المتطرف الرئيس السابق “جايير بولسونارو” الذي غادر البلاد قبل يومين من نهاية ولايته حتى لا يحضر حفل تسليم السلطة إلى خلفه “داسيلفا”. لولا دا سيلفا الذي تم تنصيبه على رأس دولة البرازيل في جانفي الماضي 2023 قام بعمل كبير خلال فترتي رئاسته السابقتين حيث تمكن من تغيير النمط الاقتصادي الليبرالي المجحف إلى تشاركي إذ رسم ونفذ برنامجه الانتخابي بطريقة ساهمت في ترشيد توزيع الثروة بين الفئات الإجتماعية ومكنت 30 مليون برازيلي من الارتقاء من درجة الفقر إلى مستوى الطبقة المتوسطة. لولا داسيلفا يواجه في ولايته الثالثة تحديات ٱقتصادية هامة مقابل أوضاع ٱجتماعية صعبة وهو يدرك بأنه يحتاج إلى ٱتخاذ إجراءات مشددة للحد من الفقر الذي مازال يعانيه ملايين من شعبه.
الحقيقة “لولا داسيلفا” يحظى بشعبية كبيرة في البرازيل وخاصة في أوساط الطبقة الشعبية المهمشة وأرسى روابط ٱجتماعية بين رجال المال والأعمال والفئات الضعيفة بعد أن أقنع الأثرياء بالالتفاف حول أبناء شعبهم الفقراء بالمشاريع الخيرية والاجتماعية والاقتصادية فضلا عن برامج الدولة. لولا داسيلفا ٱشتهر بلقب بطل الفقراء وشهرته ٱنتشرت في كل أرجاء العالم ويذكر أن باراك أوباما الرئيس الأمريكي الأسبق صرح ذات يوم بالقول : “لولا أكثر شعبية مني، إنه أكثر شعبية من الكرة الأرضية”. كما تم ٱختياره كشخصية العام من قبل صحيفة “العالم” الناطق والفرنسي سنة تسع وألفين.
نعود إلى طفولة وحياة “بطل الفقراء” ومسيرته النقابية والسياسية التي تعتبر مثالا للصمود. “لويز إيناسيو لولا دا سيلفا” هو الاسم الكامل للرئيس النقابي لدولة البرازيل للمرة الثالثة. نشأ في أسرة فقيرة أصلها من الشمال الشرقي للبرازيل وكانت طفولته قاسية جدا. انتمى إلى أسرة تتكون من سبعة أبناء بين أولاد وبنات عاشوا مع والدتهم المطلقة في ضواحي “ساوباولو” الفقيرة التي نزحوا إليها طلبا الرزق و سكنوا في بيت من غرفة واحدة. اشتغل “لولا” في مسح الأحذية بعد مغادرته الدراسة في سن مبكرة بسبب الظروف الصعبة التي ساهمت في بناء شخصيته. يقول “لولا داسيلفا” : لقد علمتني أمي كيف أمشي مرفوع الرأس وكيف أحترم نفسي حتى يحترمني الآخرون”. وقد عرف عنه صبره وقدرته على التّحمّل. اشتغل في فترة شبابه في أحد مصانع الحديد وفيه مارس العمل النقابي بمساعدة شقيقه “فيريرا” وٱستطاع أن يحتل منصب نائب رئيس نقابة عمال الحديد عام 1967 ثم تم ٱنتخابه على رأس النقابة عام 1978. أثناء إضراب مصانع الحديد في 1980 في فترة سيطرة الجيش على الحكم ألقى “لولا” خطابا ناريا ضد الحكومة أدى إلى ٱحتجازه لمدة شهر ثم عام 1981 حكمت عليه الدائرة القضائية العسكرية ثلاث سنوات ونصف وأطلق سراحه سنة 1982. في نفس العام شارك في ٱنتخابات حكومة ساوباولو لكنه خسرها. ومنذ ذلك الحين أصبح ٱهتمامه منصبّا على الانتخابات وهاجسه الوصول إلى السلطة من أجل التغيير وإنهاء الحكم العسكري الدكتاتوري بعد أن حول النقابة إلى حزب عمالي. وكان يدرك أن بلوغ هدفه يتطلب التدرج في مسيرته السياسية وهو ما فعله عندما دخل الكونغرس عن طريق الانتخابات وتمكن مع أغلبية النواب من إدخال تحويرات على الدستور تغير بفضله نظام الحكم من برلماني ينتخب فيه رئيس الجمهورية من الكنغرس إلى النظام الرئاسي بالانتخاب الحر والمباشر من الشعب. ثم بدأت رحلته مع الترشحات للرئاسة فٱنهزم في ثلاث دورات ولم ييأس حتى كسب الرهان الذي قطعه على نفسه وفاز في مثلها بهذا المنصب في أعلى هرم السلطة.

مواضيع ذات صلة