يوفي مال الجدّين وتبقى صنعة اليدين.. أين أطفالنا وشبابنا من هذا المثل؟

يوفي مال الجدّين وتبقى صنعة اليدين.. أين أطفالنا وشبابنا من هذا المثل؟

19 جوان، 18:30

يفتخر كل ولي بإرسال أبنائه إلى أفخم المدارس ويدفع تكاليف الدروس الخصوصية التي تستمر حتى تخرج الابن مظفرا من الجامعة وهو يحمل أعلى الشهادات.. مقابل ذلك نجده يهمل العناية بصقل هوايات الطفل وتهذيب وجدانه والعناية بروحه ومهاراته الحياتية المختلفة..

في السابق كانت البنت أو الولد يجلس مع أجداده يسمع الخرافات والحكايات الجميلة والأمثال الشعبية ويحضر العولة وقصان البقلاوة وربما يحمل الصينية للمخبزة أو يتجول في الحقل ويتسلق الأشجار أو يلعب ألعابا فكرية أو بدنية مع الأهل أو الجيران والأصدقاء.. كنا نلعب حتى بغطاء قارورة بلاستيكي على أنه كرة قدم…

وبعيدا عن كل هذا، كان الابن الصفاقسي يتعلم صنعة أو حرفة حتى لو كان طبيبا.. اليوم نحن نرى عارا كبيرا في هذا.. طبيب يساهم في جمع الزيتون ! إن تعلم مهارة يختارها الطفل ولا نجبره عليها أمر مطلوب في العطلة الصيفية وفي أوقات الفراغ..

يتعلم كيف يصلح راديو أو جهازا إلكترونيا، يتعلم شيئا من فنون النجارة أو الحدادة أو الحلاقة أو الخياطة.. يجلس مع الخضار أو العطّار ويسأله عن مهنته ويعاونه في الحساب أو في مد الحرفاء بحاجاتهم.. يتعلم كيف يدهن جدارا أو يدق مسمارا أو يغرس أشجارا أو يحضر خليط الاسمنت مع التراب.. يجلس مع البستاني ويتعلم منه فنون البستنة : مواعيد الغرس وكيفية العناية بالنباتات وتشذيبها… نسمي هذا تربصا مصغّرا للطفل يبدأ بأعمال صغيرة تناسب قدراته وكل سنة يتعلم شيئا جديدا.. في أوروبا يعتنون بأشغال منزلهم بأنفسهم ويسمون ذلك bricolage براعة يدوية..

أما نحن فكي نثبت مسمارا أو نغير مصباحا نأتي بالعامل الذي يستغلنا.. نحن نحذر من التشغيل الهش للأطفال ولا نقصده أبدا إلا إذا صاحب الأب ابنه وأورثه صنعته في حانوته وعلمه أصولها منذ صغره إذا لم يفلح في دراسته بعد تجاوز السن القانونية 16 سنة.. نحن هنا نطلب من الصغار بل ومن الكبار أيضا أن يتذكروا صنعة الأجداد..

الشاب أو الشابة عندما يبتعدون عن الآباء لا يحسنون طبخ طبق أو حتى الذهاب إلى السوق.. كل الآباء كانوا يحرصون على تعليم أولادهم ولكن أيضا على تثقيفهم وتعليمهم صنعة أو حرفة للزمان ولتدبّر شؤونهم في الحياة وذلك كهواية وكمتعة تنمي مهارة الصبي وكان ذلك فخرا للصفاقسية كما هو فخر للأوروبي والياباني الذي مازال إلى اليوم يتدبر أموره بنفسه..

عديد الوزراء وحتى الأطباء والكتّاب كانوا يمارسون حرفة ما في صغرهم كهواية أو كمرحلة أولى قبل إيجاد شغل عوض الجلوس في المقاهي وألعاب القمار أو الألعاب الخطيرة أو بعض الانحرافات على مواقع التواصل الاجتماعي مع المسكرات والمخدرات والقعود والجمود وعدم الرغبة في عمل أي شيء حتى عوّضنا الأفارقة في كل شيء لنشاطهم وعدم تذمرهم وإتقانهم عملهم عوض التكركير و”تركريك” التاي…

بل إن السلاطين والأنبياء كانت تعمل حرفة ومهارة يدوية على غرار صنع الخواتم مع سليمان القانوني أو رعي الأغنام والحدادة والخياطة وغيرها مع الأنبياء عليهم السلام.. علينا أن نعلم أصحابنا هذا الجانب العملي من الحياة شرط أن يختاروا شيئا يحبونه ويناسب قدراتهم ويكون ذلك هواية وتحت إشراف الوالدين أو شخص ثقة وشرط عدم إخبار الوزير السابق محمّد الطرابلسي الذي لم ير الأطفال الذين يعملون في الطريق السريعة ولكنه قد يفهمنا خطأ ويحاسبنا إذا علمناهم مهارة يحبونها.

سامي النيفر

مواضيع ذات صلة